لطالما داعب حلم الأمومة خيال الملايين والملايين من النساء والفتيات، ذلك الحلم الغالي الذي يُهيمن على الزوجين منذ الليلة الأولى من الزواج.
لذلك بمجرد أن تظهر بوادر الحمل، يدخل الزوجين في حالة هي أشبه بحالة طوارئ قصوى، للاهتمام بحالة الأم، والاطمئنان على حالة الجنين، ولا شك في أن هذا الاهتمام يتضاعف مرات عديدة في حالة وجود مرض عند الأم الحامل ولا سيما مرض الغدة الدرقية.حتى نقترب أكثر من أهمية متابعة الحمل لمرضى الغدة الدرقية، ينبغي أن نعرف ما هي الغدة الدرقية، وما أهميتها، وما تأثيرها على الأم الحامل.
ما هي الغدة الدرقية، وما أهميتها وما تأثيرها على الأم الحامل؟
الغدة الدرقية واحدة من أهم الغدد الصماء في جسم الإنسان، لأنها تتحكم في تنظيم العديد من الوظائف الحيوية مثل التمثيل الغذائي، نمو الأنسجة، وتنظيم مستويات الطاقة.
لذلك فمن الطبيعي أن حدوث أي اضطرابات في هذه الغدة، يصبح بمنزلة ناقوس الخطر الذي ينبئ عن تأثيرات صحية خطيرة، على الأشخاص بصفة عامة، وعلى المرأة الحامل بصفة خاصة.
لذلك ينبغي على النساء المصابات باضطرابات في الغدة الدرقية، اعتبار مدة الحمل، هي مدة حساسة جدًا، وتتطلب رعاية خاصة ومتابعة طبية دقيقة.
وتُعد متابعة الحمل بشكل منتظم أمرًا ضروريًا، وحتميًا لضمان سلامة الأم والجنين -على حدٍ سواء-. لذلك سوف نتكلم في الأسطر القليلة القادمة عن أهمية المتابعة الطبية المنتظمة للنساء الحوامل اللواتي يعانين من مشكلة في الغدة الدرقية، وكيف تؤثر هذه المتابعة على صحة الأم والجنين -على حد سواء-.
تأثير اضطرابات الغدة الدرقية على الحمل:
كما ذكرنا من قبل أن الغدة الدرقية هي واحدة من أهم الغدد الصماء في جسم الإنسان، التي تؤثر وبشكل مباشر على عمليات الجسم الحيوية من خلال إفراز هرمونين أساسيين هما:
- الثيروكسين (T4)
- ثلاثي يودوثيرونين (T3)
هذان الهرمونان يلعبان الدور الأكبر في عملية تنظيم معدل الأيض، وعمل الأعضاء الحيوية المختلفة.
لذلك في حالة حدوث خلل في عمل الغدة الدرقية، سواء كان فرط نشاطها (Hyperthyroidism) أو قصور نشاطها (Hypothyroidism) فمن المؤكد أن يؤدي ذلك إلى مضاعفات صحية تؤثر على الحمل، حتى نقترب أكثر من وصف هذه الحالة، يجب علينا أن نعرف ما فرط نشاط الغدة الدرقية، وقصور نشاط الغدة الدرقية، وعلاقة كلٍ منهما بالحمل.
فرط نشاط الغدة الدرقية والحمل
فرط نشاط الغدة الدرقية يحدث عندما تفرز الغدة الدرقية هرمونات بكمية زائدة عن الحاجة، هذا الاضطراب يمكن أن يؤدي إلى زيادة ضربات القلب، فقدان الوزن غير المبرر، والقلق المفرط.
وفي حالات الحمل، من الممكن أن يسبب فرط نشاط الغدة الدرقية مضاعفات خطيرة أهمها، ارتفاع ضغط الدم، الإجهاض، أو الولادة المبكرة.
قصور الغدة الدرقية والحمل
أما حالة قصور الغدة الدرقية، معناه أن تفشل الغدة الدرقية في إفراز كميات كافية من الهرمونات، مما يؤدي إلى بطء عمليات الجسم، التعب، وزيادة الوزن.
وفي حالات الحمل، قد يتسبب هذا الاضطراب في زيادة خطر الإصابة بتسمم الحمل، أو انخفاض وزن الجنين عند الولادة، ومن الممكن أن يتسبب في حدوث مشكلة في تطور الجهاز العصبي للجنين.
كل هذا يقودنا -بلا شك- للحديث بشكلٍ موسع، عن أهمية متابعة الحمل بشكلٍ منتظم لمرضى الغدة الدرقية.
أهمية المتابعة المنتظمة للحمل عند مرضى الغدة الدرقية
أولًا: الحفاظ على توازن الهرمونات:
أول وأهم الأمور التي تدعو إلى المتابعة المنتظمة للحمل، لمرضى الغدة الدرقية هو ضرورة مراقبة مستوى هرمونات الغدة الدرقية بشكل دوري، لأن التغيرات في هذه الهرمونات من الممكن أن تحدث بسرعة خلال مدة الحمل، مما يستدعي تعديل الجرعات العلاجية، أو تغيير الأدوية وفقًا للحالة، ولا شك في أن متابعة الطبيب المختص، وبشكلٍ دوري تتيح تعديل هذه الجرعات بما يتناسب مع التغيرات الحاصلة في جسم الأم الحامل.
اقرأ ايضا:متابعة الحمل عالي الخطورة
ثانيًا: الحد من خطر المضاعفات أو تقليله:
لأن النساء المصابات باضطرابات الغدة الدرقية، هن أكثر عرضة للمضاعفات خلال مدة الحمل، لذلك فإن المتابعة الطبية المنتظمة تساعد في الكشف المبكر عن أي مشكلة صحية محتملة، ومن أمثلة هذه المشاكل الصحية، فرط نشاط الغدة الدرقية، الذي من الممكن أن يزيد من خطر الولادة المبكرة، وأيضًا يمكن لقصور الغدة الدرقية أن يؤدي إلى تأخر نمو الجنين، لذلك فإن متابعة الحمل بشكل منتظم، هي التي تُمكن الطبيب من الكشف عن هذه المضاعفات، واتخاذ التدابير اللازمة في وقت مبكر، كافٍ للحفاظ على حملٍ صحي.

ثالثًا: ضمان تطور الجنين بشكل صحي:
تلعب هرمونات الغدة الدرقية، الدور الأساسي في تطور الجهاز العصبي للجنين، خاصة في الأشهر الأولى من الحمل، لذلك إذا لم يتم التحكم في مستوى الهرمونات بشكل جيد، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تأثيرات سلبية على نمو الدماغ والأعصاب، والوقاية الوحيدة من ذلك، المتابعة الطبية التي تتيح للطبيب تقييم تطور الجنين بشكل دوري، مما يضمن أن يتلقى الرعاية اللازمة إذا تم الكشف عن أي تأخير أو اضطراب.
اقرأ ايضا :
أهم الفحوص الطبية، خلال متابعة الحمل لمرضى الغدة الدرقية
- تحليل هرمونات الغدة الدرقية (TSH) و(T4)
أحد أهم الفحوص الطبية، التي يجب إجراؤها بشكل دوري هو تحليل مستوى هرمون التحفيز الدرقي (TSH) وهرمون الثيروكسين (T4) لأن هذا الفحص يساعد في تحديد ما إذا كانت الغدة الدرقية، تعمل بشكل سليم أم لا، وفي حالة كانت النتائج تشير إلى وجود خلل، فمن الممكن تعديل العلاج وفقًا لذلك.
- متابعة وزن الأم وضغط الدم
زيادة الوزن السريعة، أو المفرطة قد تكون مؤشرًا على وجود خلل في الغدة الدرقية، كما أن اضطرابات الغدة الدرقية من الممكن أن تؤثر على ضغط الدم، وعلى هذا، فإن مراقبة هذين العاملين خلال الحمل أمر ضروري.
- فحص القلب
اضطرابات الغدة الدرقية، ولاسيما فرط النشاط، يمكن أن يؤثر على القلب ويسبب زيادة في معدل ضرباته، لذلك قد يُطلب من الحامل إجراء فحوص للقلب بشكل دوري، للتأكد من عدم حدوث أي مشكلة صحية تؤثر على عمل القلب.
يُعد الفحص بالموجات فوق الصوتية الأداة الأهم في متابعة نمو، وتطور الجنين خلال مراحل الحمل المختلفة، ويمكن من خلال هذا الفحص تقييم حجم الجنين، نمو أعضائه، وكمية السائل الأمنيوسي المحيط به، حتى يتسنى للطبيب في حالة وجود أي تأخير في النمو، أن يتخذ الإجراءات اللازمة بسرعة.

الخلاصة:
إن متابعة الحمل بشكل منتظم لمرضى الغدة الدرقية، هي ليست مجرد توصية طبية، بل هي ضرورة لضمان صحة الأم والجنين على حدٍ سواء، لأن عملية المراقبة والتحكم في مستويات هرمونات الغدة الدرقية المستمرة، هي -بلا شك- تسهم في تجنب المضاعفات الخطيرة التي قد تهدد سلامة الحمل، هذا الحلم الغالي، وليس هذا فقط، بل إن الدعم النفسي، والاجتماعي للمرأة الحامل يلعب الدور الأبرز في تحسين حالتها العامة، من خلال التعاون بين الأم والطبيب المباشر، يمكن تحقيق تجربة حمل صحية وآمنة، هي -بلا شك- تضمن بداية سليمة لحياة الجنين.